بقلم /محمود حركان
تعتبر نظرية السياسي تجاه المواطن من القضايا الجوهرية التي تحدد طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، إذ يقوم جوهرها على الكيفية التي يرى بها السياسي دور المواطن في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتتشكل هذه الرؤية وفق خلفية السياسي الفكرية ومصالحه واستراتيجياته للبقاء في السلطة أو تحقيق مشروعه السياسي، في بعض التصورات التقليدية يرى السياسي المواطن باعتباره وسيلة لتحقيق الغايات السياسية، حيث يتم التعامل معه ككتلة انتخابية أو أداة تعبئة جماهيرية تُستخدم حين الحاجة ويتم تهميشها بعد تحقيق الهدف، بينما في النظريات الديمقراطية الحديثة ينظر السياسي إلى المواطن كغاية في حد ذاته، كشريك حقيقي في صنع القرار والمساءلة والمراقبة والمشاركة اليومية في إدارة الشأن العام، هذه الرؤية الأخيرة تفترض وعياً متبادلاً بحقوق وواجبات كل طرف، وتقوم على احترام السيادة الشعبية ومبدأ التداول السلمي للسلطة.
غير أن الواقع العملي يكشف أن السياسيين غالباً ما يمارسون انتقائية في تبنيهم لموقع المواطن، ففي الفترات الانتخابية يظهر الخطاب الذي يمجد إرادة المواطن ويعلي من شأن صوته ودوره، بينما بعد الانتخابات قد يتراجع هذا الخطاب لصالح نزعات التحكم والتسيير العمودي، وهو ما يفرز أزمة ثقة بين الطرفين، ويتسبب في فتور المشاركة السياسية وتصاعد نزعات العزوف والاحتجاج، هذه الأزمة تجعل من نظرية السياسي تجاه المواطن مسألة ديناميكية وليست ثابتة، إذ تتغير بتغير السياقات والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، ففي ظل الأزمات الكبرى مثل الأوبئة أو الحروب أو الانهيارات الاقتصادية قد يميل السياسي إلى استدعاء خطاب المشاركة والمواطنة الفاعلة لاحتواء الغضب الشعبي، بينما في أوقات الاستقرار قد تبرز محاولات تقليص دور المواطن لصالح التكنوقراط أو الأجهزة الإدارية.
ويجب الإشارة إلى أن طبيعة النظام السياسي تلعب دوراً مركزياً في صياغة هذه النظرية، ففي الأنظمة السلطوية يغدو المواطن عنصراً خاضعاً للرقابة والتوجيه ولا يمتلك سلطة حقيقية على القرار السياسي، مما يؤدي إلى نشوء حالة اغتراب سياسي وفقدان للثقة في جدوى المشاركة، أما في الأنظمة الديمقراطية التمثيلية فيُفترض أن يكون المواطن في مركز الاهتمام السياسي، وتتحول برامجه ومشاريعه إلى تعبير عن حاجات المواطنين وتطلعاتهم، إلا أن الإشكال يكمن في أن حتى في الديمقراطيات الراسخة قد يتعرض المواطن إلى التهميش بفعل سطوة المال والإعلام ولوبيات المصالح.
وعليه فإن نظرية السياسي تجاه المواطن لا يمكن اختزالها في موقف وحيد أو ثابت بل هي مجموعة من التمثلات المتداخلة التي تتأرجح بين منطق الاستخدام ومنطق الشراكة، بين منطق الاستغلال ومنطق الخدمة العامة، تبعاً لحجم وعي المواطنين بقدراتهم وحقوقهم، وقوة مؤسساتهم، ومدى التزام السياسيين بمبادئ الشفافية والمساءلة، لذلك فإن بناء علاقة سليمة بين السياسي والمواطن يقتضي إعادة صياغة هذه النظرية على أسس جديدة تجعل من احترام إرادة المواطن ومشاركته الواعية جوهر الفعل السياسي وليس مجرد تكتيك ظرفي، فحين يشعر المواطن أنه محترم ومسموع وله أثر حقيقي في توجيه السياسات العامة، يصبح أكثر انخراطاً في الحياة العامة وأكثر دفاعاً عن استقرار بلده ومستقبله
مشاركة فيسبوك تويتر واتساب


تعليقات الزوار ( 0 )