ميناء فوسبوكراع.. حين تتحول مواقع العمل إلى مقابر صامتة!

18 أكتوبر 2025 - 3:29 م

الصحراء بلوس- انتصار السالك

في مشهد مأساوي جديد يعيد طرح الأسئلة المؤلمة حول واقع السلامة المهنية داخل المنشآت الصناعية، اهتزّ ميناء فوسبوكراع بالعيون في الساعات الأولى من صباح اليوم على وقع حادثة أليمة تمثلت في انقلاب شاحنة داخل الميناء وسقوطها في المياه، ما أسفر عن وفاة عامل واحد وإنقاذ آخر، فيما لا يزال عاملان في عداد المفقودين إلى حدود كتابة هذه السطور.

ورغم أن الحادث بحد ذاته يبعث على الحزن والأسى، إلا أن ما هو أخطر من الحادث هو ذلك الاستهتار الممنهج بمعايير الصحة والسلامة المهنية، الذي بات سمة متجذرة في تسيير هذا الميناء الحيوي. فحادث اليوم ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير ما دامت سياسة الإهمال والتغطية الشكلية هي السائدة.

وحسب مصادر ميدانية، فإن ميناء فوسبوكراع يعرف غياباً شبه تام للإشراف الميداني والتدريب الوقائي، في ظل اعتماد إدارة الشركة على التقارير الورقية والشعارات الرنانة حول “السلامة أولوية” دون ترجمتها إلى واقع ملموس.

ويحمّل متتبعون لشأن المحلي المسؤولية المباشرة لما جرى إلى الإدارة التنفيذية للشركة وعلى رأسها المدير العام، الذي لم يزر الميناء منذ شهور، مكتفياً بتلقي تقارير “مطبوخة” من قسم الصحة والسلامة الذي يعيش هو الآخر حالة من الجمود والبيروقراطية.

فالموظف المكلّف بمراقبة تطبيق معايير السلامة لا يغادر مكتبه المكيّف، بينما يعمل العمال في ظروف محفوفة بالمخاطر، دون معدات حماية كافية، أو إشراف فعلي، أو حتى خطة طوارئ فعّالة.

وبات هذا الوضع المتردي قنبلة موقوتة تهدد حياة العشرات من العمال يومياً، في ظل صمت الجهات الوصية التي لم تفتح إلى اليوم أي تحقيق نزيه ومستقل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين.

وإزاء هذه الفاجعة، تعالت الأصوات المطالبة بـ تدخل عاجل من الجهات العليا، وبتشكيل لجنة تحقيق ميدانية تضع حداً لحالات التسيب والاستهتار التي حوّلت ميناء فوسبوكراع إلى مقبرة مفتوحة للعمال، بدل أن يكون رافعة للتنمية وفرصة للعمل الكريم.

ما يحدث في فوسبوكراع وصمة عار في جبين منظومة يفترض أن تضع الإنسان في صلب أولوياتها. فالأرقام يمكن تعويضها، أما الأرواح فلا تُعوّض، والسكوت عن هذا الوضع هو مشاركة ضمنية في الجريمة.

وفي انتظار كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، لا يسعنا إلا أن نترحم على الضحايا،

مشاركة فيسبوك تويتر واتساب
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .